هذه مقالة رائعة لمعتز الخطيب تبين كيف أن الجهاد الإسلامي هو جهاد له أسس ومبادئ ووسائل . فإن أخل بأحد هذه الشروط أو المبادئ لم يكن هذا الجهاد لإعلاء كلمة الله .
ثم يعرض المقال بعض مذابح تسببت بها أمريكا الدولة التي ترفع شعار الحرب ضد الإرها ب ليبين عمليا الفرق بين الحرب و نتائجها و الجهاد وثمراته
إن أحببت هذا المقال فاقرأ "الفتوحات الإسلامية دون محاباة بالانجليزي
taken from: http://www.islamonline.net/Arabic/contemporary/2002/09/article07.shtml
الجهاد والحرب.. بين المبادئ والمصالح | ||
| ||
في القديم كانت الحرب تبدأ بالقتال، لكنها الآن أصبحت تبدأ بالمفاهيم والأفكار والمصطلحات، وتسويق الصور والرؤى التي تسعى إلى تهيئة الرأي العام لتقبل أكثر الممارسات تطرفًا. وتتسنى تلك العمليات التي تقترب من صور غسيل المخ من خلال الاستثمار السياسي والأيديولوجي لأفكار ومفاهيم تحظى بالجاذبية؛ وذلك بتحويلها إلى شعارات لتلك الممارسات التي هي أبعد ما تكون عنها؛ لأن الآلة الإعلامية تفعل فعلها في إعادة تشكيل المفاهيم لحسابات خاصة. وفي وقت الأزمات يصبح من الملحّ إعادة تثبيت وتنقية المفاهيم ذات العلاقة، ومفهومَا "الجهاد" و"الحرب" من أبرز المفاهيم التي تفرض الأحداث القريبة الماضية والحالية إعادة تثبيتها وتنقيتها في سياق المبادئ والمصالح، مع بيان إلى أي مدى تتحكم المفاهيم في السلوكيات والممارسات، فضلاً عن مقاربة أزمة الحضارة من زاوية مفهومي الجهاد والحرب. إن سؤالنا الأساسي هو: هل الحرب والجهاد شيء واحد، أم أن الجهاد مفهوم والحرب مفهوم بعيد عنه كل البعد؟ مفهوم الجـهاد.. إحاطة بالأبعاد "الجهاد"، و"الحرب"، و"الغزو": في الأصل اللغوي تدور حول معنى "القتال مع العدو"، وقد استعمل القرآن الكريم "الحرب" بمعنى القتال في مواضع، منها: "كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ" (المائدة: 64)، وجرى الاستعمال في عرف الفقهاء على هذا "الاشتراك اللغوي" في الألفاظ الثلاثة. لكن "للجهاد" دلالات أخرى في المفهوم الإسلامي العام، اهتم الفقيه منها بـ"القتال" فقط؛ لأنه يتصل بحقل تخصصه، ونحن نهتم به هنا؛ لأننا نضعه بمقابلة "الحرب". ويقسم العلماء "الجهاد" إلى ثلاثة أقسام تندرج كلها تحت مسمى "مجاهدة العدو". وهذا العدو يكون ظاهرًا (القتال وهو محل اهتمام الفقيه)، ويكون الشيطان، والنفس (وهو مجال اهتمام الداعية والواعظ). وهذه الثلاثة (العدو الظاهر - الشيطان - النفس) يشملها في الإسلام وصف "عدو"، واشتملت عليها آيات كثيرة، وهي داخلة في عموميات قوله تعالى: "فِي سَبِيلِ اللَّهِ" (البقرة: 195)، وقوله تعالى: "وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ" (الحج: 78). وتوضح آيات وأحاديث كثيرة أن "الجهاد" هو لتكون "كلمة الله هي العليا" (التوبة: 40)، وأنه "في سبيل الله" (البقرة: 195)، وهو محل إجماع بين علماء المسلمين. ومن الملاحظ كثرة استعمال تعبير "الجهاد" في العصر الحديث بدءاً من "الجهاد ضد الإلحاد الروسي"، وانتهاء "بجهاد بن لادن ضد أمريكا"، مرورًا بتسمية حركات وتنظيمات مختلفة بهذا الاسم؛ ما يسمح بتفسيرات متنوعة لكلمة "الجهاد"، فضلاً عن التوظيفات السياسية للمصطلح. وفي المقابل تتم ترجمة نفس المفهوم إلى مصطلحات مثل: "الكفاح المسلح"، و"الحرب المقدسة"، و"التبشير الديني" للنيل من مضمونه في المخيال الغربي. المفهوم الحديث للحرب شهد مفهوم "الحرب" تطورات وتبدلات في الأدوات والأساليب؛ وهو ما انعكس على دلالته نفسه، فبات يشتمل على معانٍ كثيرة؛ فالتطورات التقنية، والاتساع الجغرافي، ونشوء الأنظمة السياسية الدولية.. كل ذلك ساهم في إرساء تغيرات على مستوى المفاهيم، ومنها الحرب، وعلى مستوى الغايات والنوازع التي تكمن خلف سؤال: لماذا الحرب؟ ومن ناحية أخرى فإن التقنيات الحديثة التي طاولت الفضاء والسلاح أدخلت تغييرًا جذريًّا على قوانين الحرب ومسيرتها وحسابات الخسائر والمكاسب فيها، وعلى استحقاقات النصر والهزيمة في الحرب. فمع ظهور تطبيقات الثورة الصناعية في مجال الحرب اعتبارًا من منتصف القرن التاسع عشر بدأ يبرز تدريجيًّا مفهوم "الحرب الشاملة" لتوفر إمكاناتها التقنية. وقد شهد النصف الأول من القرن العشرين اندلاع حربين كونيتين1 ، وتحددت على قاعدة التسلح "موازين القوى" في العالم، ثم جاء اختراع السلاح النووي وغيرِه من أسلحة الدمار الشامل كي يشكل عاملاً حاسمًا جديدًا في تحديد موازين القوى هذه، وهو ما شكل ثورة ثانية على المستوى العسكري. أثَّر التقدم التكنولوجي الهائل في بِنية "الثورات العسكرية" على صعيد تنظيم القوات المسلحة نفسها وطبيعة الحرب ذاتها، خاصة منذ نهاية الحرب الباردة التي حكمت العلاقات الدولية لعقود من الزمن، ولعلَّ أهم النتائج المباشرة -كما يبين "بول هيرست" في كتابه (الحرب والسلطة في القرن الحادي والعشرين)- تَمَثل في الأولوية التي اكتسبتها الإستراتيجيات الهجومية على حساب الدفاعية. وإذا كان الفقهاء -قديمًا وحديثًا- قد اختلفوا حول "الجهاد" في الإسلام (هل هو دفاعي أم هجومي؟) بأثرٍ من النظر إلى الحقوق والحريات، فإن "الحرب" اليوم باتت تتجه للهجوم بأثر من "القوة" والمصالح والهيمنة، وإن تم أَدْلَجة ذلك بتسميات زئبقية من نحو "ضربة وقائية" (تستخدمه إسرائيل ضد الفلسطينيين)، و"هجوم استباقي" (تستخدمه أمريكا الآن في حربها المتوقعة على العراق). بل إن الولايات المتحدة (وكذلك إسرائيل) تتجه الآن بمفهوم الحرب من "الردع" ("الإرهاب" بالمصطلح القرآني) إلى "الإرهاب" (بالمفهوم السياسي المعاصر) إلى "العنف الشامل". مجمل ما يمكن قوله: إن الحرب اليوم ليست هي الحرب بالأمس، وأصبحت لفظة "الحرب" تسرح في فضاء ذهني مفتوح (سواء للمتلفظ، أم السامع، وحتى قائد المعركة) حول الخسائر والدمار الذي ستوقعه هذه الآلات والتقنيات المتطورة والعابرة للقارات (يتم استثمار هذا من قبل النظام السياسي العربي لتبرير الخنوع السياسي). إنه في الحرب لا يمكن لأحد السيطرة على أبعاد المعركة، ووضع حدٍّ للخسائر في ظل هذا المسمى بـ"قانون دولي". وكذلك بتنا نشهد مسميات لحروب كثيرة، بل شهدنا وقائع عدد منها، كالحرب الإعلامية، والحرب الباردة، والحرب الاقتصادية، والحرب النفسية.. واللافت أنها كلها تشكل درجات متفاوتة في نطاق فرض السلطة والهيمنة على الآخر للانصياع لمطلب ما، وإن جرت أَدْلَجة هذه المطالب -على اختلافها- تحت مسميات كثيرة (العدالة - الديمقراطية - الإرهاب - تحرير المرأة...). والهدف من تلك المسميات كلها إضفاء مضمون "رسالي" قيمي على هذه الحرب أو تلك لإضفاء الشرعية الأخلاقية (أما القانونية فيتم التلاعب بها بمنطق القوة وحسابات المصالح) لدى الرأي العام. الجهاد والحرب في الممارسة ممارسة الجهاد والحرب أبرز ما تظهر في عدد القتلى وحجم الأضرار، وقضية الأسرى، وتصرفات ما بعد الحرب، وتبقى القضية الأهم معايير النصر والهزيمة في مفهومي "الجهاد" و"الحرب". ممارسة "الجهاد" تبقى محصورة في محدِّدات الأهداف والغايات التي تكمن في الإجابة على سؤال "لماذا…؟"، والتي تأخذ شكل مطالب قبل أو أثناء أو بعد القتال، وشرحنا سابقًا أن إجماع المسلمين على أن "الجهاد" هو في "سبيل الله"، ولإعلاء كلمته.. ينحصر في هدف واضح ومحدد هو "الدعوة" إلى الدين/ الإسلام، وبسط سلطانه على الناس (يمكن التعبير عنه بهيمنة الإسلام كنظام لا كعقيدة)، من هنا لم يكن الهدف "الإضرار" أو التشفي (جمهور الفقهاء متفق على أن مجاهدة العدو لأجل كونه محاربًا)، ولم يكن الهدف إعمال القتل في العدو (يجب إيقاف الجهاد في حالة إسلام العدو أو استسلامه)؛ لأن الهدف إصلاحه لا إلغاؤه، وإجباره على ممارسة التسامح لا إفناؤه. إنه إذن قتال من أجل فكرة/ مبدأ ديني أخلاقي يحتكم في أدواته ووسائله إلى ميثاق الوحي الإلهي: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنةٌ ويكونَ الدين كلُّه لله" (الأنفال 39). وفي الحديث: "أيها الناس لا تَمَنَّوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" (رواه البخاري). ومن الفقهاء من صرَّح بأن "وجوب الجهاد [أي القتال] وجوب الوسائل لا المقاصد؛ إذ المقصود بالقتال إنما هو الهداية وما سواها من الشهادة، وأما قتل الكفار فليس بمقصود حتى لو أمكن الهداية بإقامة الدليل بغير جهاد كان أولى من الجهاد2"، ولعل هذا الأمر هو الدلالة الأساسية لقول الحق جل وعلا في سورة البقرة: ".. لا إكراه في الدين.." (البقرة: 256). وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أَمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: "اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، ولا تَغُلوا ولا تغدروا، ولا تُمَثّلوا، ولا تقتلوا وليدًا، وإذا لقيتَ عدوك من المشركين فادعُهم إلى ثلاث خصال، فأيتَهنَّ أجابوك فاقبل منهم، وكُفَّ عنهم". (رواه مسلم ومالك). وفي فتح مكة قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا لا يُجهَزنّ على جريح، ولا يُتبعنّ مدبر، ولا يُقتلنّ أسير، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن". (رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي). ورأى النبي -صلى الله عليه وسلم- امرأة مقتولة بالطائف فقال: "ألم أَنهَ عن قتل النساء؟! من صاحبُ هذه المرأة المقتولة؟ قال رجل من القوم: أنا يا رسول الله، أردفتها فأرادت أن تصرعني فتقتلني. فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تُوارى" (رواه البيهقي). وأوصى أبو بكر -رضي الله عنه- أمير جيشه إلى الشام بعشرٍ: "لا تقتلنّ امرأة، ولا صبيًّا، ولا كبيرًا هَرِمًا، ولا تقطعنّ شجرًا مثمرًا، ولا تخربنّ عامرًا، ولا تعقرنَّ شاة ولا بعيرًا، ولا تحرقنَّ نخلاً، ولا تُغرقنَّه، ولا تَغلُل، ولا تجبُن". (رواه مالك في الموطأ). وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول عند عقد الألوية : "... فقاتلوا في سبيل الله من كفر بالله، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ولا تجبُنوا عند اللقاء، ولا تمثّلوا عند القدرة، ولا تُسرفوا عند الظهور [أي الغَلَبة]، ولا تقتلوا هرِمًا ولا امرأة ولا وليدًا، وتوقّوا قتلهم إذا التقى الزحفان وعند شن الغارات". (عيون الأخبار لابن قتيبة). وبخصوص معاملة الأسرى في ممارسة "الجهاد" يروي أبو عزيز بن عُمير: "كنت في رهْط من الأنصار حين أقبلوا بي [أسيرًا] في بدر، فكانوا إذا قدّموا غداءهم وعشاءهم خصّوني بالخبز، وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إياهم بنا. ما يقع في يد رجل منهم كسرة من الخبز إلا نفحني بها فأستحي فأردها على أحدهم فيردها عليّ ما يمسها". (رواه الطبراني، واللفظ للطبري في التاريخ وابن هشام في السيرة). وبخصوص جثث القتلى في ممارسة "الجهاد"، فلم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ترك جثة بعد القتال دون أن يأمر بمواراتها؛ فقد أمر بمواراة قتلى قريش في "غزوة بدر"، حتى قال الإمام ابن حزم: "دَفن الكافر الحربي وغيره: فرض؛ لأن ترك الإنسان لا يُدفن مُثْلَة"، وقد صحَّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المُثْلَة (التمثيل بجثث العدو)3. ويمكن إجمال مبادئ الجهاد في الإسلام بالآتي: أ - وجوب الوفاء بالعهد: ففي القرآن: "وَأَوْفُوا بِالْعَهْد" [الإسراء: 34]، وفي الحديث: "لكل غادر لواء يوم القيامة يُعرف به بقدر غُدرته" (رواه البخاري ومسلم). ب - احترام الإنسانية: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم" (الإسراء: 70)، وفي الحديث: "إياكم والمُثلَة". وكذلك حكم الفقهاء بأنه لا يجوز التجويع والإظماء في الجهاد. جـ - الحرب لا تُحلّ حرامًا؛ فقد كتب عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما-: "آمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسًا من المعاصي منكم من عدوكم؛ فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم.. واعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله تعالى يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله". أين يفترق المفهومان: الجهاد والحرب؟ وإذا كانت ممارسة "الجهاد" محصورة في "المبادئ"، فإن ممارسة "الحرب" تبقى على الدوام محصورة في "المصالح"، وتتم التضحية في سبيلها بكل القيم الإنسانية والغايات النبيلة على نحو ما لمسنا في الممارسة الأمريكية للحرب، وهو ما سنعرضه لاحقًا بشيء من التفصيل. ولكن مع هذه الوحشية نجد "إعلام الحرب" يمارس دوره في تجميل الصورة، والتكتيم على الممارسات اللاأخلاقية، وتسويق أخلاقيات مفتعلة. وأبرز ما تتجلى "حرب المصالح" في العصر الحديث في الحروب الأمريكية (راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان!). ففي كتابه "أمريكا طليعة الانحطاط" يسوق "روجيه جارودي" أدلة كثيرة على أن "أمريكا لا تتوقف عند حدّ أخلاقي أو قانوني لتكسب حربًا دون أن تفقد خسائر بشرية [أمريكية] كثيرة". بل إن نشأة أمريكا قامت على إبادة الهنود (السكان الأصليين) الذين تقلص عددهم من 10 ملايين إلى 200 ألف نسمة، ووصف إعلان الاستقلال الأمريكي الهنود الذين دافعوا عن حقوقهم بأنهم "متوحشون بغير رحمة، وسيلتهم المعروفة هي شن الحرب وذبح الجميع"!. وأجرى كل من جيف سيمون ونعوم تشومسكي مَسْحًا للجرائم الأمريكية لبيان كيف طورت الولايات المتحدة قدرتها على التطهير العرقي والإبادة الجماعية باستعمال تقنية حديثة، بدءًا من الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، ومن تلك الجرائم الكثيرة أن الجنرال جورج مارشال (رئيس الأركان) قد أمر مساعديه بتخطيط هجمات حارقة (تحرق الهياكل الخشبية والورقية للمدن اليابانية الكثيفة السكان). وفي إحدى الليالي دمّرت 334 طائرة أمريكية ما مساحته 16 ميلاً مربعًا من طوكيو بإسقاط القنابل الحارقة، وقتلت 100 ألف شخص، وشردت مليون نسمة. ولاحظ الجنرال كيرتس لوماي -بارتياح!!- أن الرجال والنساء والأطفال اليابانيين قد أُحرقوا، وتم غليهم وخبزهم حتى الموت. كانت الحرارة شديدة جدًّا حتى إن الماء قد وصل في القنوات إلى درجة الغليان، وذابت الهياكل المعدنية، وتفجر الناس في ألسنة من اللهب. وتعرض أثناء الحرب ما يقرب من 64 مدينة يابانية، فضلاً عن هيروشيما وناجازاكي، إلى مثل هذا النوع من الهجوم. ويشير أحد التقديرات إلى مقتل زهاء 400 ألف شخص بهذه الطريقة. وكان هذا تمهيدًا لعمليات الإبادة التي ارتكبتها الولايات المتحدة ضد أقطار أخرى لم تهدد واشنطن. وقد ذبحت الولايات المتحدة بين عامي 1952م و1973م (في تقدير معتدل!) زهاء عشرة ملايين صيني وكوري وفيتنامي ولاوسي وكمبودي. ويشير أحد التقديرات إلى مقتل مليوني كوري شمالي في الحرب الكورية، وكثير منهم قُتلوا في الحرائق العاصفة في بيونج يانج ومدن رئيسية أخرى، ويذكرنا هذا بالهجمات الحارقة على طوكيو. وذكر الراهب البوذي الفيتنامي "ثيتش ثين هاو" أنه بحلول منتصف عام 1963م سببت حرب فيتنام مقتل 160 ألف شخص، وتعذيب وتشويه 700 ألف شخص، واغتصاب 31 ألف امرأة، ونزعت أحشاء 3000 شخص وهم أحياء، وأحرق 4000 حتى الموت، ودمر ألف معبد، وهوجمت 46 قرية بالمواد الكيماوية السامة.. وأدى القصف الأمريكي لهانوي وهايفونغ في فترة أعياد الميلاد وعام 1972م إلى إصابة أكثر من 30 ألف طفل بالصمم الدائم. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية قد اعترفت سنة 2000م بأن قوات الناتو أطلقت 31 ألف قذيفة تحتوي على اليورانيوم المنضب أثناء حملة حلف الأطلسي على يوغسلافيا، في حين أفاد مسؤول حلف الناتو أن عشرة آلاف قذيفة من هذا النوع استُعملت في حرب البوسنة عامي 1994 و 1995م. وتدمير العراق في حرب الخليج الثانية لا يزال قريب العهد؛ فقد أكدت التقارير أن الطائرات الأمريكية ألقت زهاء مليون إطلاقة يورانيوم منضب جو أرض، كما استخدمت 15 ألف مقذوفة دروع؛ وهو ما أحدث خللاً واضحًا في الأمن البيئي في الكويت قبل العراق، فلوث مساحات واسعة من الأرض بمواد مشعة كاليورانيوم المنضب، واستخدام سموم فطرية ذات تركيز عال مُسَرطنة، فضلاً عن تلويث الهواء والتربة، وإهلاك الكثير من الأحياء، وظهور أمراض كثيرة، وازدياد معدلات الوَفَيَات في الأطفال دون الخامسة عدة أضعاف بالنسبة للعراق. بل إنها لم تتورع عن إبقاء الحصار المفروض على العراق لما يزيد عن عشرة أعوام، والذي لا تزال آثاره المدمرة بادية على الشعب العراقي المنهك البائس. وممارسة "الحرب" وجرائمها لن تنتهي عند أفغانستان التي وقعت فيها مجازر، كان أبرزها مجزرة "قلعة جانجي" التي تم فيها قصف الأسرى بالطائرات والصواريخ الأمريكية؛ لأن أحد عناصر وكالة المخابرات الأمريكية قُتل في اشتباك مع أسير من طالبان. وكشفت مجلة النيوزويك مؤخرًا (27-8-2002م) جرائم الحرب في أفغانستان، وكيف أن أكثر من 3000 أسير في طالبان استسلموا لقوات التحالف الشمالي كانوا قد حُشروا مرضى ويتضورون جوعًا في مرفق يتسع لـ800 شخص فقط، وكيف أن المئات منهم ماتوا خنقًا في حاويات معدنية مختومة أثناء نقلهم إلى المعتقلات!. وإذا كانت النيوزويك ترددت في تحميل مسؤولية تلك الجرائم للجيش الأمريكي؛ فإن روبرت فيسك بيَّن بوضوح كيف أن الولايات المتحدة تقوم بتوظيف القتلة والمجرمين (المعروفين) للعمل لصالحها، وأن ذلك "عمل روتيني" - بحسب تعبير فيسك. وقد أفرد تشومسكي في كتابه الأحدث: الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، ساحة للحديث عن الأوضاع المأساوية التي عاشها المدنيون الأفغان في ظلِّ الحرب الأمريكية؛ ففي البدء طلبت واشنطن من حليفها الباكستاني قطع إمدادات الوقود وتقليص عدد قوافل الشحن التي تؤمن جزءًا مهمًّا من الغذاء والمؤن للأفغان، وفي الوقت ذاته أوقف "برنامج الغذاء العالمي" التابع للأمم المتحدة نشاطاته نحو ثلاثة أسابيع متوالية بُعيد الاعتداءات. وفي كتابه "حروب القرن الحادي والعشرين" يؤكد إيغياسيو رامونيه أن "الولايات المتحدة حرصت -بكل وعي وتصميم- على استعراض قوتها في أفغانستان عبر إبراز قوتها العسكرية في العمليات الحربية، وعبر جمع تحالف دولي كبير لدعم خططها بما في ذلك الصين وروسيا، إلى جانب عدم تولية أي اهتمام كبير للأمم المتحدة". ويأتي هذا السعي لتأكيد هيمنتها على العالم بوصفها إمبراطورية كونية، والقوة العظمى من خلال مَرْكزة رأس المال والسلطة. إنها حرب مصالح.. في الوقت الذي يطرح فيه بوش الابن الولايات المتحدة (من خلال خطابه المتعلق بـ"الحرب على الإرهاب") على أنها راعية السلام العالمي، وستفرض الوضوح الأخلاقي بين الشر والخير (من ليس معنا فهو ضدنا!!)، و(محور الشر)، و(الحرب من أجل العدالة!!)، فضلاً عن الصيغة التقليدية التي يتم فيها اعتبار الولايات المتحدة راعية حقوق الإنسان والحريات في العالم. المرأة بين الجهاد والحرب! تورد كثير من الروايات أن نساء المسلمين كنَّ يخرجن في الجهاد، منها رواية أم الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ التي تقول فيها: "لقد كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسقي القوم، ونخدمهم، ونردّ القتلى والجرحى إلى المدينة". (رواه البخاري). ويروي أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه "لما كان يوم أُحُد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأمّ سُليم وإنهما لمشمِّرتان، أرى خَدَم (أي خُلخَال) سُوقهن تنقُلان القِرَب على متونهما، ثم تفرغانه في أفواه القوم..." (رواه البخاري). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأمّ سُليم ونسوةٍ من الأنصار معه إذا غزا، فَيَسقين الماء ويُداوين الجرحى" (رواه مسلم). وفي المقابل ظهر في الحروب الحديثة ما سُمِّي "نساء الحرب"، ويُستخدم للدلالة على أُولاء النساء اللاتي "يتطوعن" للترفيه عن الجنود في زمن الحرب، وكان أول ظهور لهذه الظاهرة خلال الحرب العالمية الثانية؛ حيث كانت نساء من مثل بيتي غريبل وفيرا لين يرفهن عن الجنود الأمريكيين والبريطانيين. وفي أثناء "الحرب على الإرهاب" الحالية شمرت امرأتان "لا تشعران بالخجل أبدًا" (حسب تعبير النيوزويك 20-11-2001م ص5)، وهما باميلا أندرسون والعضو السابق في فريق spice girls جيري هاليويل، شمرتا عن "سواعدهما" وذهبتا بمهمة وطنية للترفيه عن الجنود في أمريكا وفي الشرق الأوسط!. ولم تكن المرأتان "الوطنيتان" الوحيدتين في هذه المعركة؛ فقد كان هناك أخريات "يتعاطفن" مع حلفاء الولايات المتحدة؛ وذلك للتسلية والتسرية عن هموم الجنود، ورفع معنوياتهم في هذه الحرب الطويلة على "الإرهاب" الذي يهدِّد بنزع أمن العالم، وحرمانه من المتعة!. الحرب والجهاد.. مفهومان متمايزان لم يكن الهدف من هذا إجراء مقارنة بين الإسلام والولايات المتحدة كما قد يُتَصور؛ لأنه يحول دون تلك المقارنة موانع منهجية؛ فالتقدم التقني في الأدوات والوسائل، ونمو مفهوم السلطة وانتشاره، وتحييد الدين أو إقصاؤه، والتواضع على عرف دولي قائم على مصالح القوي أو الأقوى فقط، كل هذا من شأنه أن يلقي بثقله على المفارقات الجسيمة بين المفهوم وتطبيقاته في مرحلتين تاريخيتين متمايزتين جدًّا، فضلاً عن أن المقارنة من هذا الوجه توقع في فخ أيديولوجي (دعوي) يوجَّه إلى غير مستحقّه، في حين أنه يجب أن يُوجّه إلى الغربي، أو تحمل على الانتشاء بعظمة الإسلام في وقت لا ينفع فيه شيء من هذا!. وإذا كان ليس ثمَّة مجال للمقارنة بين عصر حاضر وزمن انقضى؛ فإن ذلك لا ينفي إمكانية المقارنة بين المفاهيم ("الجهاد" و"الحرب": الأول ديني، والثاني سياسي/ عسكري)، ذلك أن كلا المفهومين ما يزال حيًّا، ولا يمكن اعتباره جزءًا من التاريخ فقط. أزمة حضـارة.. لا نزاع سياسي عسكري المفارقة بين المفهومين تعكس من جانب آخر أزمة "حضارة". فالحرب تقوم أصلاً على فكرة "مصلحة الدولة" القومية أو القطرية، ومفاهيم السيادة والحدود؛ ما يعني أن المبادئ تنحصر في دائرة "النسبية". فمصلحة الجماعة أو الأمة الخاصة هي سقف المبادئ. لكن أمريكا تسعى لأن تكون حضارة كونية تفرض أنموذجها على العالم، وتتجاوز مفاهيم "السيادة، والقانون، والدولة" لتشكل "الحرب" معها أداة لتدعيم هذه الإمبراطورية الكونية العابرة للحدود والمتجاوزة لمفاهيم السيادة والقانون. ولذلك رأينا أن المبادئ تحوّلت إلى منطق براغماتي/ نفعي (خصوصًا الديمقراطية وحقوق الإنسان) في الممارسة الأمريكية. وفي سبيل تحقيق الإمبراطورية هذه يأتي رفع التنافس على الأرض إلى مستوى درع الصواريخ، وإلغاء المعاهدات الموقّعة سابقـًا مع الاتحاد السوفيتي واستبدال منظومات إقليمية بها. ويأتي الموقف من محكمة الجنايات الدولية وتخوف الأمريكيين من محاكمة الجنود العسكريين في القوات الدولية؛ ما يعني أن الولايات المتحدة فوق الجميع، ولا تخضع للقوانين التي يخضع لها الآخرون، وتمشيًا مع ذلك يأتي قرار الموافقة على استثناء جنودها من المحكمة!. وهناك كذلك موقفها من اتفاقية كيوتو لحماية البيئة، وانسحابها منها بحجة التشكيك في وجود علاقة بين التلوث وارتفاع درجة الحرارة، في حين تؤكد لجنة التغير المناخي (تضم ثلاثة آلاف عالم) وجود مخاوف خطيرة من الاحتباس الحراري الناتج عن الصناعة (وخاصة الصناعة الثقيلة). لقد باتت الحضارة الحديثة هذه مولِّدة بذاتها للأمراض، وشكلت الحرب على اختلاف أشكالها وحساباتها أحد مداخل تلك الأمراض بعد أن كان للأمراض مدخلان: نفسي وجسدي فقط. فالحرب أحدثت نقمة، ودمارًا، وفقرًا، وفسادًا، وأمراضًا، والجهاد نشر فكرة ومبدأ ليحقق قيم العدل والخير. لقد أحدث الاختلاف على مستوى المفهوم بين (الحرب والجهاد) تلك المفارقة بين الممارسة الدينية المحكومة بالوحي، والممارسة السياسية/ العسكرية المحكومة بالمصالح؛ وهو ما شكّل أزمة على مستوى الحضارة ككل. ومن ثَم فإن أي "جهاد" معاصر مزعوم لا تنطبق عليه الأخلاقيات التي بَيَّنَّا طرفًا منها يسمى "حربًا". 1- الحربان الكونيتان: يُشار بهما إلى الحربين العالميتين الأولى والثانية. وهي تسمية مخالفة، تقوم على مفردة لفظية ناجمة عن اختلاف لهجات الترجمة بين أهل المغرب العربي وأهل المشرق. ويسميها البعض بالحربين الاستعماريتين لأن العالم لم يكن حقًا يتحارب، بل كانت الأطراف المتحاربة هي الدول الاستعمارية، وعليها يقع عار ما جرى في هاتين الحربين من تشريد وسفك دماء وانتهاك حرمات وخراب ودمار. 2- أنظر: مغني المحتاج: 4 / 210، وآثار الحرب د. الزحيلي ص: 92. 3- نحن نؤكد هذه الحقيقة مع إقرارنا بأنه قد ورد عن بعض الفقهاء ما يخالف هذا الخلق مما لا يليق، ويتنافى مع الهدي النبوي. كما نعلم أن ثمة آراء فقهية (منسوبة للشافعية وعدد من المعاصرين) تجيز (شرعًا!) "استخدام أسلحة الدمار الشامل ضد الجهات المعادية من أهل الحرب، وإن لم تدعُ الضرورة للقتال، ولو مع القدرة على الظفر بالعدو دون استخدام تلك الأسلحة"!!، وهذا خلط بين مفهوم الحرب ومفهوم الجهاد على الشكل الذي نشرحه، وغفلة عن أهداف "الجهاد" وغاياته. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق