27‏/09‏/2006

من فقه المقاطعة الاقتصادية

International Committee for the Support of the Final Prophet (ICSFP)  
  الاربعاء, 17 محرم 1427 11:11: ص  
بسم الله الرحمن الرحيم

من فقه المقاطعة

الكاتب: حسن بن عبدالحميد بخاري
http://www.nusrah.com/AR/Contents.aspx?AID=3669
 * شغلت المقاطعة مساحة واسعة جداً من خارطة العالم الإسلامي؛ تعبيراً عن الشعور الغاضب الذي عمّ الأمة تجاه دولة الدانمارك التي أساءت برسومها الساخرة إلى نبي الأمة (صلى الله عليه وسلم) ، وقياماً بإحدى الخطوات الواجبة على الأمة نصرةً لنبيها (صلى الله عليه وسلم) بعد تلك الإساءة !

والراصد لقضية المقاطعة الإسلامية لمنتجات الدانمارك يقف على نتيجتين "قويتين":

إحداهما- قوة التفاعل الإيجابي مع قرار المقاطعة والالتزام الجاد به من قِبَل الشعوب المسلمة في كل بلاد الإسلام.

والأخرى- قوة أثر تلك المقاطعة –مع أنها لاتزال في بداياتها- على حسابات دولة الدانمارك: السياسية والاقتصادية... وأخرى غيرها!

* وبما أن قرار المقاطعة الاقتصادية الذي اتخذته الشعوب المسلمة ذو إطار شرعي (حيث يمثل الدور الواجب على الأمة في نصرة النبي (صلى الله عليه وسلم) )؛ وجب أن يأخذ حظه الكافي من التأصيل الشرعي للمسألة، لئلا تستأثر العاطفة وحدها -مهما كانت صادقة- على القضية، فتتجاوز بها بعض الحدود والضوابط الشرعية.. إفراطاً أو تفريطاً !

ومن هنا فقد كانت هذه الأسطر محاولة - على عجل- لتقريب شيء من فقه المقاطعة الاقتصادية، يتناول عرض الأدلة ووجه الدلالة، وفي طياته إيضاح لبعض المشكلات، ودفع لبعض الشبهات، أرجو أن يتضح به المسلك الشرعي للمسألة، ووراء ذلك من البحث للمستزيد مزيد .

وقد جاء بحث مسائل الموضوع تحت العناوين التالية:

  1. مشروعية المقاطعة.
  2. هل المقاطعة واجبة أو مستحبة؟
  3. لماذا المقاطعة؟
  4. إلى متى المقاطعة؟



1- مشروعية المقاطعة:

ثبت في عدد من الأدلة الشرعية مشروعية المقاطعة التجارية للعدو، وأنها وسيلة مشروعة تُسلك لإرغام العدو والتضييق عليه، أو الانتقام منه وأخذ الثأر، وتلك الأدلة منها ما هو عام الدلالة تندرج تحته المقاطعة، ومنها ما هو خاص بها، ومن ذلكم:

( أ ) كل آيات الجهاد في كتاب الله المتضمنة لجهادي المال والنفس، نحو قوله تعالى:]انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله[، ]ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم`تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم[ .

والمقاطعة التجارية داخلة في جهاد العدو بالمال؛ لأن الجهاد بالمال كما يكون ببذله لإضعاف العدو، يكون بإمساكه عنه لإرهاقه كذلك!

وليُلحظ تقدم الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في كل الآيات، إلا موضع سورة التوبة:]إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة[، وهذا التقديم للجهاد بالمال على النفس له دلالة ولابد، ولعل منها: اقتدار كل المكلفين على الجهاد بالمال(بذلاً وإمساكاً) بلا استثناء، بخلاف الجهاد بالنفس الذي قد يعجز عنه بعض المكلفين أو يُحال بينهم وبينه. ومنها: كون الجهاد بالمال دعامة للجهاد بالنفس وليس العكس، وكونه أسبق منه إعداداً وتنفيذاً في ميادين الجهاد، فناسب ذلك سبقه عليه في الذكر الحكيم، والعلم عند أحكم الحاكمين!

( ب ) قوله تعالى – في أوجه العمل الصالح الذي يُكتب لصاحبه لوناً من ألوان الجهاد-:]ماكان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولايرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لايصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطأون موطئاًُ يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كُتب لهم به عمل صالح].

والمقاطعة الاقتصادية للعدو نيل عظيم منه ولا شك، لمـّا تبور تجارته بديار المسلمين ويحل بها الكساد.

( ج ) قوله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبوداود والنسائي: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم"، وقد تقدم أن الجهاد بالمال كما يكون بإنفاقه في الغزو وتجهيز الغزاة، فإنه يكون بإمساكه عن الوصول للعدو لئلا يتقوى به على قتال المسلمين وعدائهم.

ولئلا يُقال: إن هذا تكلف في فهم الدليل وإقحام ما لا يحتمله من المعاني فيه، فهاهنا دليلان من وقائع السيرة، أحدهما فعل والآخر إقرار منه (صلى الله عليه وسلم) ، وكلاهما دال على المشروعية :

( د ) كل الغزوات والسرايا التي كانت قبل غزوة بدر الكبرى، بل حتى غزوة بدر ذاتها كان المقصد منها اعتراض قوافل قريش التجارية وأخذ أموالها وحصارها اقتصادياً، فسرية حمزة إلى (سِيف البحر)، وسرية سعد بن أبي وقاص إلى (الخرّار)، وغزوة الأبواء (ودّان) وسرية عبيدة بن الحارث إلى (رابغ)، وغزوة (بُواط)، وسرية عبدالله بن جحش إلى (نخلة)، وغزوة (العُشَيرة) التي أفلت فيها أبوسفيان بالقافلة في ذهابه إلى الشام، وهي القافلة ذاتها التي خرج النبي (صلى الله عليه وسلم) يريدها حين عادت نادباً إليها أصحابه قائلاً: "هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله يُنفّلكموها"، لكنها أفلتت فكانت غزوة بدر الكبرى !

فكل تلك الغزوات والسرايا كان هدفها الأول هو الحصار الاقتصادي واعتراض القوافل وقطع تجارة قريش، إضعافاً للعدو وكسراً لشوكته... وهل المقاطعة الاقتصادية إلا من هذا الباب ؟

( هـ) قصة ثمامة بن أثال  (رضي الله عنه)  لمّا أسلم، فقطع تجارة الحنطة عن قريش التي كانت تأتيهم من قِبَله من اليمامة، وأقسم لهم: "ولا والله لايأتيكم من اليمامة حبّةُ حنطة حتى يأذن فيها النبي (صلى الله عليه وسلم) "، وخبره هذا في الصحيحين. فكان ثمامة (رضي الله عنه) بذلك أول مقاطِع تجاري للعدو في الإسلام –بمعناه الاصطلاحي-، فإنه استشعر دوره ضد قريش لكفرها وحربها لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، واستخدم سلاحه الذي يملك وقاطع تجارتهم، فكان في ذلك إرهاق قريش وتجويعها، حتى أرسلوا إليه (صلى الله عليه وسلم) يسألونه بالرحم أن يكتب إلى ثمامة ليُخلي لهم حمل الطعام، فكتب له النبي (صلى الله عليه وسلم) بذلك ورفع الحصار.

وفي الحديث من الفقه: عدم اشتراط إذن الإمام للمقاطعة، خلافاً لمن قال به! فإن ثمامة قاطعهم ولم يستأذن النبي (صلى الله عليه وسلم) ، بل أقره (صلى الله عليه وسلم) على ذلك ولم ينكر عليه إقدامه على ذلك بلا إذن منه، ولا عدّ ذلك افتئاتاً وجرأة على مقامه (صلى الله عليه وسلم) ، بل لو استدل مستدل بهذا الخبر على اشتراط إذن الإمام لرفع المقاطعة بعد إقدام المسلمين عليها لكان أقرب... وهو بعيد!

وبعد: فما سبق من الأدلة دلّ على مشروعية المقاطعة كما تقدم، والدلالة على "المشروعية" أعم من الدلالة على أحد أفرادها: الوجوب، والندب، والإباحة، وإذا كانت المقاطعة –عند الحاجة إليها والمناداة بها- مطلباً شرعياً فقد خرجت من حيّز الإباحة، وانحصر حكمها بين الوجوب والاستحباب (الندب)، وهذا هو المبحث التالي:
























2- هل المقاطعة الاقتصادية اليوم واجبة أم مستحبة ؟

الأصل في التعامل مع غير المسلم الإباحة (بالضوابط الشرعية)، وحكم المقاطعة (الدائر بين الوجوب والاستحباب) لا يتعارض مع ذلك الأصل؛ لأن حكم المقاطعة طارئ، يطرأ بطروء أسبابه ودواعيه، ويزول بزوالها ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) مع عداوة اليهود له بالمدينة وحصاره إياهم وحربهم وإجلائهم فقد كان يبيع ويشتري معهم، لكنه لمّا احتاج إلى المقاطعة في ظرف من الظروف حاصرهم في حصونهم، بل وحرق نخل مزارعهم كما فعل مع بني النضير، وفي ذلك نزل قوله تعالى: [ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين].

وعندئذ: فمتى احتاج المسلمون إلى المقاطعة التجارية كما هو الحال اليوم مع دولة الدانمارك الصليبية بعد استهزائهم برسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسخريتهم منه، فإن أدنى درجات ذلك هو الاستحباب، وحيث نقول: أدنى درجاته الاستحباب فإن معنى ذلك أنه لا يمتنع أن يصل إلى الوجوب في بعض الأحوال، والمراد بوجوب المقاطعة: تحريم بيع منتجاتهم وشرائها، غير أن هذا التحريم ليس تحريماً لعينه، فإن المحرّمات في فقه البيوع إما أن تحرم لعينها (كبيع الخمر والخنزير)، أولغيرها بمعنى أنها تحرم لكونها وسيلة إلى محرم (كبيع العنب لمن يصنعه خمراً)، وهذا ما يعبّر عنه الفقهاء بقولهم: "الوسائل لها حكم المقاصد"، وعلى هذا يُحمل الوجوب في المقاطعة التجارية –إن قيل به-، أنه لغيره لا لذاته، من جهة أن البيع والشراء مع العدو وسيلة إلى تمكينه مادياً من الاستمرار على عداوته وحربه للمسلمين... وذلك محرّم !

والذي أراه أن المقاطعة التجارية تتجاوز حدّ الاستحباب إلى الوجوب في إحدى صور ثلاث:

أ- إذا أمر الإمام بذلك وحمل الناس عليه وجبت المقاطعة ؛ لوجوب طاعة الإمام.

ب- إذا انحصرت وسائل دفع العدو وكسر شوكته في المقاطعة، بحيث لم يجد المسلمون وسيلة أخرى وجبت المقاطعة؛ لأن دفع العدو وجهاده بكل الوسائل الممكنة واجب، وإذا انحصرت الوسائل في المقاطعة صارت هي الواجب كله، بحيث يؤدي تركها إلى ترك الواجب الذي يأثم به الجميع.

مع مراعاة أن الذي يقرر انحصار الوسائل في المقاطعة وتعذّر غيرها هم المختصون من أهل العلم والدراية بالمسألة المباشرون للقضية ، العارفون بأبعادها، ممن يحسن تطبيق قواعد المصالح والمفاسد، لا أن يكون ذلك حقاً لكل مسلم يمارس فيه اجتهاده الشخصي !

ج- إذا عجز المكلف عن غير المقاطعة من الوسائل المشروعة، ولم يقدر إلا على المقاطعة وجبت في حقه؛ لأنها ستكون في حقه الجزء الذي يحقق به الوجوب في الجهاد والدفع؛ لقدرته عليه وعجزه عن غيره، والواجبات كلها تجب بالقدرة وتسقط بالعجز !

والصورتان الأخيرتان تدخلان في القاعدة الأصولية الشهيرة: "مالا يتم أداء الواجب إلا به فهو واجب" .
















3- لماذا المقاطعة ؟

من المهم جداً عند اتخاذ قرار المقاطعة التجارية تحديد الهدف منها، والتي تختلف من حال إلى حال، ومن زمان إلى زمان، ومن مكان إلى مكان.

فتارة تكون المقاطعة حصاراً لعدو يُراد استسلامه وإخلاء بلاده بما فيها، وتارة تكون إرغاماً له وإضعافاً لإمكاناته، وتارة تكون ثأراً وانتقاماً لاعتداء بدا منه، وتارة تكون ضغطاً عليه لاسترجاع حق اغتصبه ...، وهكذا.

فمن الضروري تحديد هدف المقاطعة الذي يتحدد من خلاله المدى الزمني للمقاطعة (وسيأتي الحديث عنها في النقطة التالية)، كما يُحكم على المقاطعة بالنجاح أوالفشل بناءً على تحقق الهدف أو عدمه، وهذا ما يجعل القضية منضبطة شرعاً، غير خاضعة لعواطف جياشة أو حماسة مندفعة، وفي الوقت ذاته يغلق الباب في وجوه المخذّلين والمثبطين، ممن ينادي بعدم جدوى المقاطعة، وأنها ما هي إلا تفريغ شحنة عاطفية ما تلبث أن تنطفئ!

وفي قضية الدانمارك اليوم التي تقررت فيها المقاطعة شاع بين الناس خطأً أن الهدف منها هو أخذ حق النبي (صلى الله عليه وسلم) ممن سخر منه وهزئ به، عن طريق المقاطعة!

وإنما قلت: "خطأً"؛ لوقوع خلط في هذا المفهوم بين حق النبي (صلى الله عليه وسلم) وواجب الأمة تجاه الاعتداء والتطاول عليه (صلى الله عليه وسلم) ، فالسخرية والانتقاص الذي أظهرته تلك الرسوم اعتداء على حقه (صلى الله عليه وسلم) ، وحقه (صلى الله عليه وسلم) شخصي محض، بمعنى أن أخذ الحق فيه أو العفو عنه متعلق بشخصه (صلى الله عليه وسلم) ، وهذا ما لا يمكن لأحد مهما اتخذ من أسباب أن يدعي أنه استوفى حقه (صلى الله عليه وسلم) ؛ لأن صاحب الحق فقط هو الذي يقرر استيفاء الحق من عدمه، ولا يسع الأمة كلها أن تتنازل عنه، أو تطالب بمطالب (اعتذار أو غيره) ترى أنه يستوفي الحق له (صلى الله عليه وسلم) ، ولهذا صرّح الفقهاء بأن شاتم النبي (صلى الله عليه وسلم) يُقتل ولا يُستتاب؛ لأن التوبة هنا متعلقة بحق شخصي، ولا محل بعد وفاته (صلى الله عليه وسلم) لاستعفائه، ولهذا: فلا المقاطعة ولا غيرها من الوسائل يُقال عنها: إنها تستوفي حق النبي (صلى الله عليه وسلم) أو تُسقطه... فلماذا المقاطعة إذن ؟

إننا إنما ندعوا إلى المقاطعة قياماً بواجب الأمة في القضية، لا استيفاءً لحق النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وهنا نحتاج إلى التفريق بين المسألتين: بين حق النبي (صلى الله عليه وسلم) في القضية، وواجب الأمة فيها...

أما حقه فقد تقدم، وأما واجب الأمة فهو النصرة والتعزير والتوقير، على حدّ قول الله سبحانه: ]إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً`لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزّروه وتوقّروه[ ، وواجب النصيحة له (صلى الله عليه وسلم) بالدفاع عنه والذبّ عن عرضه والنيل ممن تعرض له بسوء وإن قلّ، وواجب المحبة المتضمنة لافتدائه (صلى الله عليه وسلم) بالأنفس والأموال والأعراض، ومعاداة من عاداه، ومحاربة من آذاه .

وهذه الواجبات المتعلقة بالأمة هي الدوافع لقرار المقاطعة، فالهدف منها إذن: هو إبراء الذمة بذلك، وإقامة شاهد المحبة له (صلى الله عليه وسلم) بالسخط على من تعرض له بأذىً أو ناله بسوء، وردعه وكفّ باطله، وضمان ألا يعود لذلك، وألا يتجرّأ غيره فيفعل فعلته الوقحة، وبالتالي فإن هذه المقاطعة – طالت أو قصرت- لا علاقة لها بحق النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وطالما كان الغرض منها ما ذُكر فلا حرج أن تُحدّ بحدود يكون فيها: بذل المعاذير من المعتدي، والاعتراف بالجريرة، والتماس العفو والصفح، في ندم تام، وعهد غليظ بعدم تكرار ذلك، واستبدال الإحسان - قولاً وفعلاً - بإساءته تلك...، وغير ذلك مما يتحقق معه الهدف من المقاطعة، الذي لن يُسقط – بحال – حق النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وفي حديث ثمامة السابق شاهد على إيقاف المقاطعة(بأمره (صلى الله عليه وسلم) ) متى لاحت في ذلك المصلحة؛ إذ لم يكن الغرض منها قتلهم جوعاً، بل سوقهم إلى الهداية سَوقاً !!

وهذا ما يجب أن ترجع الأمة فيه ( أعني حدّ المقاطعة) إلى أولي العلم والبصيرة، ممن يحقق مناط المصالح، ثم يزنها بالمفاسد، ويحكم بالراجح فيها، وهذا هو عنوان المسألة التالية:
















4- إلى متى المقاطعة ؟

أحسب أن ما سبق تقريره في النقطة السابقة يُجيبنا عن هذا السؤال!

ولذلك فإنه لما خلط بعض الفضلاء بين المقاطعة (وأهدافها) وبين حق النبي (صلى الله عليه وسلم) بنَوا على ذلك استمرار المقاطعة إلى الأبد، ذلك أن حق النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يسقط بحال، فوجب أن تكون المقاطعة ماضية إلى الأبد !

وهذا التقرير خطأ من وجهين:

الأول- أن فيه خلطاً بين حق النبي (صلى الله عليه وسلم) الذي لا يسقط بحال، وواجب الأمة الذي لا تبرأ بتركه بحال، وقد تقدم ذلك. الثاني- أنه لو اعتبرنا المقاطعة عقاباً لمن نال من النبي (صلى الله عليه وسلم) أو استيفاءً لحقه منه، فإن فيه خلطاً بين المسيء الشاتم الساخر - وهو الرسّام-، والمقِرّ له –وهو الصحيفة والحكومة-، وبين الشركات التجارية والتجّار والشعب المقصودين بالمقاطعة! فلئن كانت المقاطعة عقاباً فليُنـزل بمستحق العقاب فقط، ولئن كانت استرجاع حق فليؤخذ من المعتدي فحسب !!

وحينئذ؛ فلا يسعنا إلا أن نقول: إن المقاطعة وسيلة شرعية يُراد بسلوكها تعريف المعتدي بخطئه، وإقراره بجرمه، وإقلاعه عنه، وعدم عودته إليه... الخ، وذلك ما يمكن أن يُحدّ بمطالب يضعها أولوا العلم والبصيرة في الدين وأهل الدراية في الأمة، ممن أوتي حظاً وافراً من الموازنة بين المصالح والمفاسد، وترجيح المتكافئ منهما، مع فقه تام بالواقع ومجاري الأحداث وتطورات الأوضاع؛ وصولاً إلى تحقيق المصالح من المقاطعة، واجتناباً لما يُتوقع من مفاسد، دون أن يكون لذلك أدنى أثر فيما يتعلق بحقه (صلى الله عليه وسلم) ، بمعنى أن الرسّام الآثم لو جاءنا بمعاذير الدنيا كلها وقبّل منا الأيدي والرؤوس والأرجل، طالباً أن نصفح عنه ونغفر له خطأه ... فإن الأمة لا تملك ذلك بحال !

وهنا يجب أن نعلم أن من الفقه: فقهَ حال الأمة اليوم ومعرفة وزنها بين الأمم؛ لتحديد المطالب التي يسمح بها ثقلُها ووزنُها، وأن الأمة اليوم في غَلَبة وضعف من أمرها إلى حدّ أشبه بوضع الإسلام في العهد النبوي المكي منه في العهد النبوي .

ولذلك فليس من الحكمة اليوم المطالبة بمطالب أكبر من حجم الأمة، أو الإصرار على إقامة حدّ شاتم الرسول (صلى الله عليه وسلم) على المعتدي بتلك الرسوم، فإن كل ما ورد في السنة من وقائع أمر فيها النبي (صلى الله عليه وسلم) أو أقرّ فيها بقتل من شتمه وهجاه إنما هي وقائع مدنية، كقصة كعب بن الأشرف، وعصماء بنت مروان الخَطْمية، والأعمى الذي قتل أم ولده، وغيرها كثير، حتى قتل عبدالله بن خَطَل الذي كان متعلقاً بأستار الكعبة يوم الفتح، كل ذلك إنما كان أيام صولة الإسلام بالمدينة وقوة دولته، وأما قبلُ.. فلم يُعرف أنه (صلى الله عليه وسلم) انتقم ممن كان يؤذيه، مع أنه كان يناله في مكة من الأذى والشتم ما هو أشد مما كان في المدينة، بل ما هو أعظم من الشتم وأمرّ ! ألم يوضع سلا الجزور على ظهره وهو ساجد؟ فلم يكن (صلى الله عليه وسلم) - مع شدة غضبه- يصنع شيئاً أكثر من الدعاء ؛ مراعاةً للمصلحة، ومعرفة بما يناسب الوضع آنذاك.

أو لم يكن يملك قتل عقبة بن أبي معيط أو الوليد ين المغيرة أو أبي جهل أو أبي لهب أو غيرهم من صناديد الكفر أو يأمر خفية بقتلهم ؟!

بلى.. ولكن الحكمة النبوية الراشدة التي تزن المصالح والمفاسد لم تكن ترى مثل هذا الرأي في ظرف كذلك، وهي ذاتها الحكمة النبوية القائلة في المدينة –بعد العز والتمكين-: "مَن لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله" ، "ألا آخذٌ لي من ابنة مروان؟" ، وقيل له يوم الفتح : هذا ابن خَطَل متعلق بأستار الكعبة، فقال: " اقتلوه " !!

وليفطن كثير من الغيورين ممن أخذتهم الحمية أن كثيراً مما يمارسونه أو ينادون به من قتل وحرق ونحوه قرارات حمقاء! خاصة في ظل ظرف الأمة الراهن وأوضاعها المزرية، مما قد يُفسد ثمار المقاطعة الناجحة، فيقلب الكفة لصالح العدو.

وكم نحتاج في هذه المرحلة إلى حكمة تفقه الحِكم النبوية في أطوار الأمة ومراحلها وما يناسب كل مرحلة منها؛ لنفرّق جيداً بين: الحكمة والفقه في الدين، وبين: الخَوَر والانهزامية والاستسلام لواقع الأمة المرير ،،،

















































تاريخ النشر في الموقع: 15/01/1427 هـ الموافق 02/13/2006 م
http://www.nusrah.com/AR/Contents.aspx?AID=3669

الحجاب المعاصر ... ما الهدف من الحجاب إذن ؟

Assalam 3alikum all.
 
Although this email might be tailored towards our muslim sisters, but i thought we all have sisters who are willing to walk in the path of pleasing God, this is why i forwarded this email to everyone, brothers and sisters.
 
During many conversations with many guys in Jordan and US, the issue of hijab pops up. And mashallah it is really refreshing and promising to see many women wear hijab in jordan as a result of the islamic wakeup that is spanning all over the islamic countries. and this is one of the many blessings of God.
 
Although we are all happy to see this, but we also see how many sisters forget the reason they wear the scarf on their head. And i guess, the following link talks about the concerns and the disapproval that guys feel about certain kinds of hijab where it draws more attention than it should. I do not mean hijab as only the head scarf, but i mean the full wear of the muslim woman.
 
I remember many incidents where some of our sisters here in USA wear a head scarf with an opening in the neck/chest area!!. Other incidents include women wearing proper hijab for the upper body but with a very tight pants that do not fit in the full picture of a muslim woman!! Or sometimes, a head scarf with a body T-Shirt that leaves no room for imagination.
 
Due to our limited knownledge in asharee3a and due to the separation between guys and girls in our society i'm sure many sisters do not wear improper hijab intentionally and do not think this is a big deal(some of the previous incidents were done by women who memorize half the quran). But believe me, all the guys know the effects of an improper hijab and agree with the disapproval of any kind of hijab that draws unwanted attention to muslim women.
 
I know this might be a very sensistive subject to our sisters, but due to its effect and widespread i thought i should touch on this issue. Plz, don't think this email is sent especially for you, but rather as a modest attempt to apply " فذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين".
 
Plz don't jump into conclusions before reading the following link, and inshallah allah will help us all walk into life the way he wanted us to do it.
 
 
(the following is the same link but pasted here)
 
عنوان الفتوىالحجاب بين الستر والزينة
تاريخ الإجابة28/09/2003
نص السؤالالسلام عليكم ورحمة الله، وبركاته:-

سؤالي إليكم عن تلكم الظاهرة التي بدأت في التنامي مع تزايد الأنشطة التي تشارك فيها النساء المحجبات.

فبعض هؤلاء النساء يبدو أن كل همهن أن يرتدين حجابا ساترا سابغا لا يظهر سوى الوجه والكفين، ثم لا يبالين بعد ذلك بنوعية هذا الحجاب من حيث الشكل واللون والإثارة.

بل تجاوز الأمر ذلك إلى أن بعضهن ينتقين من الألبسة أكثرها بريقا ، ولمعانا، وأشدها لفتا وإثارة. فظهرت الأحجبة المزركشة والأخاذة. بل والضيقة اللاصقة.

وإذا سألت واحدة منهن قالت: طالما أنني لا أظهر سوى الوجه والكفين فقد أديت ما علي. فما رأي الإسلام في هذه الظاهرة . 
نص الإجابة
بسم الله،والحمد لله،والصلاة والسلام على رسول الله،وبعد:-
الحجاب الشرعي الذي يخرج المرأة من الإثم هو ما يجمع الأوصاف التالية :-
1- أن يكون ساترا لا يظهر إلا الوجه والكفين .
2- أن يكون واسعا فضفاضا لا يبرز ، ولا يحدد أجزاء الجسم .
3- أن يكون سميكا ، لا يصف ما تحته ، ولا يشف.
4- ألا يكون من الملابس الخاصة بالرجال .
5- أن لا يكون من الملابس الخاصة بالكافرات بحيث أصبح شعارا لهن يتميزن به، ويعرفن به.
6- ألا يكون زينة في نفسه حتى لا يبطل المقصود به؛ فإن الحجاب شرع لوأد النظرة المشبوبة. وإجهاض النظرة المسمومة.

يقول حامد العطار - الباحث الشرعي بالموقع-:- 

الغريزة الجنسية عاتية بطبعها تحتاج إلى ما يصرفها عن استرسالها في الحرام، ولقد كان الإسلام منطقيا يوم شرع من التدابير ما يؤدي إلى هذا، فنصح الشباب بالزواج لمن كان يقدر منهم على ذلك، ومن لا يقدر فأرشده إلى الصيام ليكون أعون له على ضبط شهوته، وأمر الرجال والنساء جميعا بغض الأبصار عن فضول النظر، فرب نظرة أورثت ذلا وهوانا.

وأمر المرأة بالاحتشام، وستر العورات، وأمرها أن لا تستثير الرجال، فلا خضوع في الصوت، ولا ضرب بالأرجل، ولا تعطر في البدن أو الثياب في حضرة الأجانب.
فالمرأة مأمورة أن تخفي زينتها بقدر استطاعتها حتى لا تؤجج الشهوات، ولا تذكي النزوات، ولا تكون عونا للشيطان على الرجال.

وكم أفسد التبرج من بيوت بعدما كانت عامرة بالحب، دافئة بالحنان، قانعة بالحلال، ففض سامرها، وخرب عامرها.

ومن صور التبرج أن تظهر المرأة زينتها سواء أكانت الزينة في اختيار لون للحجاب يلفت أنظار الرجال، ويسترعي فضولهم، ويستثير انتباههم، أو في إظهار زينة الحلي، أو في اتخاذ عطور لها رائحة ... فكل هذا من التبرج حتى لو كانت لا تظهر سوى الوجه والكفين.

وليس معنى ذلك أن يفرض على المرأة لون معين من الحجاب كالسواد لا تخرج عنه ؛ فإن الإسلام لم يشترط لونا معينا لحجاب المرأة، ولم يمنعها من لبس لون معين ، فلها أن تلبس أي لون شاءت طالما كان اللون بعيدا عن الفتنة والإثارة وجذب الأنظار. ولها أن تهتم بحجابها من إجادة غسله وكيه وتنظيفه وتنظيمه، وتنسيق ألوانه فهذا ليس من التبرج.
ولكن ليس لها أن تحوله إلى زينة يلفت الأنظار، فإن للملابس زينة قد يفوق خطرها وأثرها خطر البدن نفسه.
وقد رأينا أن شرعنا الحنيف منع المرأة من التعطر بين الرجال، ومنعها من الخضوع بالقول، ومنعها من أن تضرب برجلها مخافة أن تبدو زينتها فتتعلق بها قلوب الرجال.
فعلمنا من ذلك أن هذه الأمور منعت لعلل معروفة واضحة هي الخوف من استثارة الرجال، وتأجيج الشهوة المكنونة في أعماق النفوس. 


فهذه الأمور التي منعها الشارع ليست محرمة في ذاتها دون علة حتى نقف عليها، ونجيز ما عداها ولو كان أبلغ منها في الاستثارة، فالتعطر ليس ملعونا في ذاته، وليس إثما في نفسه، والضرب بالرجل ليس محرما لعينه، ولكنها وسائل للمحرمات فوجب أن يحرم ما كان يماثلها في الاستثارة فضلا عما يزيد عنها.
وإلا وقعنا فيما عبناه على الظاهرية حينما سمعوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تبولوا في الماء الراكد) فحرموا البول فيه، وأجازوا البراز فيه؛ لأن البراز لم يذكر في الحديث، وكأن البول هو مجمع النجاسات، ومستنقع الرذائل، والبراز طاهر مطهر.
بل حرموا البول المباشر في الماء الراكد إلا أنهم أجازوا البول في قارورة ثم صبها في الماء الراكد.
إن الذي يبحث في الأدلة الجزئية عن نص يحرم الحجاب المزركش بالألوان اللافتة الأخاذة، ثم يخرج فيقول: لم أجد في القرآن ولا في السنة دليلا يحرم ذلك معرضا عن هذه العلل والمعاني مثله مثل هؤلاء الظاهرية الذين حرموا البول في الماء الراكد، وأجازوا البراز فيه؛ لأنهم لم يجدوا نصا على منع التبرز في الأدلة الجزئية، ولا فرق بين هؤلاء وبين الظاهرية مهما حاولوا التفلت، فمن لبانهم رضعوا، وعلى فكرهم شبوا. 

وإذا اختلفت الأنظار، وتعددت الوجهات حول حجاب معين فدار حوله الجدل : ففريق قال هو مثير، وفريق قال: غير مثير وجب أن يمنع؛ لأن التحوط في مثل هذا المقام مطلوب، فإن الله حرم مجرد الضرب بالرجل لئلا يطمع الذي في قلبه مرض، ولم يلتفت إلى الأتقياء الذين ليس في قلوبهم مرض درءا للمفسدة المتوقعة ولو من البعض مع أن تحريك الخلخال ، بل وحركة الجواهر والحلي كلها ربما لا تلفت أغلب الرجال.

وستظل المرأة متبرجة آثمة شاءت أم أبت طالما أن حجابها ضيق يحدد أجزاء جسمها، ويبين تفاصيله وأبعاضه، أو يلتصق بجسمها فيبدو جسمها مفصلا محددا في صورة من الإثارة والفتنة لا يكاد يتفق للعارية، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا.) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة.
فالرسول يحدثنا عن نساء كاسيات لابسات لم يخرجن عاريات متكشفات، ولكنهن أفسدن أكثر مما تفسد العارية، فالمرء بطبعه لا يكاد يستثيره الجسم العاري كما تستثيره تلك التي وقفت ساعات طوالا تبحث عن ملابس لإظهار زينتها ،وللإعلان عن مكامن الجمال والإثارة في جسمها.
مع أن الحجاب شرع للتستر والعفاف، ولإطفاء الزينة، وإخماد الشهوة.
وليس معنى ذلك أننا نمتدح العري، أو نراه خيرا من الحجاب الفاتن، ولكن نقول: في كل شر، والشر درجات، كما أن جهنم دركات.

وستظل المرأة متبرجة آثمة شاءت أم أبت طالما أنها تختار البنطلون الضيق الذي ينسدل على الجسم فيبرز ما أقبل منه، وما أدبر، ويظهر مكامن الحسن في صورة من الإثارة العاتية.

وستظل المرأة متبرجة آثمة شاءت أم أبت طالما أنها ترتدي سترة ضيقة أو شفافة تحجم الأبضاع، وتجسم الأجزاء.

فمن أرادت أن تخرج من التبرج إلى الستر والعفاف فلا بد أن يكون حجابها واسعا فضفاضا لا يلتصق بجسمها، ولا يجسم تفاصيله.

وأن يكون سميكا غليظا لا يصف ما تحته، ولا يشف عما يستره.

وأن يكون لباسا للستر لا للزينة.
ولا يزال البنطلون محل جدل كبير،فعلى من أرادت أن تلبسه أن تختار بنطالا واسعا فضفاضا، وأن تلبس فوقه سترة طويلة تغطي عجيزتها وأردافها بحيث يصل إلى ما يقارب الركبتين ليتفق مع الحكمة من فرضية الحجاب وهي التستر.

يقول الدكتور حسام الدين عفانه – أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:- 
من شروط الحجاب أن لا يكون زينة في نفسه؛ لقوله تعالى { ولا يبدين زينتهن } [ النور : 31 ]، فإنه بعمومه يشمل الثياب الظاهرة إذا كانت مزينة تلفت أنظار الرجال إليها، ويشهد لذلك قوله تعالى في [ الأحزاب : 33 ] : { وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } .

وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ثلاثة لا تسأل عنهم - يعني لأنهم من الهالكين - : رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصياً، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها، قد كفاها مؤونة الدنيا، فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم )) رواه الحاكم وأحمد وسنده صحيح وقال الحاكم : على شرطهما ولا أعرف له علة وأقره الذهبي .
(( والتبرج : أن تبدي المرأة من زينتها ومحاسنها وما يجب عليها ستره مما تستدعي به شهوة الرجل)).
والمقصود من الأمر بالجلباب إنما هو ستر زينة المرأة، فلا يعقل حينئذ أن يكون الجلباب نفسه زينة، وهذا كما ترى بيِّنٌ لا يخفى.

قال العلامة الألوسي المفسر في روح المعاني – أحد كتب التفسير-:

( ثم اعلم أن عندي مما يلحق بالزينة المنهي عنها إبداؤها ما يلبسه أكثر مترفات النساء في زماننا فوق ثيابهن، ويستترن به إذا خرجن من بيوتهن، وهو غطاء منسوج من حرير ذي عدة ألوان، وفيه من النقوش الذهبية والفضية ما يبهر العيون 
.

وأرى أن تمكين أزواجهن ونحوهم لهن من الخروج بذلك، ومشيهن به بين الأجانب، من قلة الغيرة، وقد عمت البلوى بذلك .
ومثله ما عمت البلوى به أيضاً من عدم احتجاب أكثر النساء من إخوان بعولتهن، وعدم مبالاة بعولتهن بذلك،، وكل ذلك مما لم يأذن به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم . انتهى كلام الألوسي.

واعلم أنه ليس من الزينة في شيء أن يكون ثوب المرأة الذي تلتحف به ملوناً بلون غير البياض أو السواد، كما يتوهم بعض النساء الملتزمات، وذلك لأمرين : 

الأول : قوله صلى الله عليه وسلم :(( طيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ... )) رواه أبو داود والنسائي وهو حديث صحيح.

والآخر : جريان العمل من نساء الصحابة على ذلك، وأسوق هنا بعض الآثار الثابتة في ذلك مما رواه الحافظ ابن أبي شيبة في (( المصنف )) :
1ـ عن ابراهيم ـ وهو النخعي ـ :
أنه كان بدخل مع علقمة والأسود على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فَيرا هُنَّ في اللحف الحمر .

2ـ عن ابن أبي مليكة قال :
رأيت على أم سلمة درعاً وملحفة مصبغتين بالعصفر .

3ـ عن القاسم ـ وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق ـ أن عائشة كانت تلبس الثياب المُعَصْفرة، وهي مُحْرِمة .
وفي رواية عن القاسم :أن عائشة كانت تلبس الثياب الموردة بالعصفر، وهي مُحْرِمَة .

4ـ عن هشام عن فاطمة بنت المنذرأن أسماء كانت تلبس المعصفر، وهي مُحْرِمة .

5ـ عن سعيد بن جبير أنه رأى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تطوف بالبيت وعليها ثياب معصفرة . انتهى.

ويقول الدكتور يوسف القرضاوي مبينا ما يجب على المرأة في وجود الرجال الأجانب:- 

أن تلتزم الوقار والاستقامة في مشيتها وفي حديثها وتتجنب الإثارة في سائر حركات جسمها ووجهها؛ فإن التكسر والميوعة من شأن الفاجرات لا من خلق المسلمات. قال تعالى: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) سورة الأحزاب:32.
وألا تتعمد جذب انتباه الرجال إلى ما خفي من زينتها بالعطور أو الرنين أو نحو ذلك. قال تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن).
فقد كانت المرأة في الجاهلية حين تمر بالناس تضرب برجلها، ليسمع قعقعة خلخالها فنهى القرآن عن ذلك، لما فيه من إثارة لخيال الرجال ذوي النزعات الشهوانية، ولدلالته على نية سيئة لدى المرأة في لفت أنظار الرجال إلى زينتها. 

ومثل هذا في الحكم ما تستعمله من ألوان الطيب والعطور ذات الروائح الفائحة، لتستثير الغرائز، وتجذب إليها انتباه الرجال، وفي الحديث: "المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا، يعني: زانية".

والله أعلم . 

العقيدة الكلامية أم الأفعال العملية


 
 
(taken from the following link - goto question 3)

السؤال الثالث :
شكرا لهذه الفرصة المتاحة للتواصل مع الأستاذ الشنقيطي.

أستاذي العزيز ،

بداية أهنئك على توفيق الله عز وجل لك في كتابك الحديث (الخلافات السياسية بين الصحابة). وأسأل الله تعالى أن يجعل من بحثك مقدمة لعمل مستقبلي ضخم يساهم في تجسير الهوة بين المسلمين .

لي بعض الأسئلة (أو إن شئت بعض الخواطر) التي أرجو أن أعرف رأي الشنقيطي فيها ، وأرجو أن يتسع صدره (وصدر قراء المنتدى) لطول الطرح ، فهي نتاج خواطر تؤرقني منذ سنوات ـ وتوصلت فيها إلى بعض الثمار ، وأرجو الله أن يوفقني وييسر لي الكتابة في بعضها (يوما ما) بتأصيل شرعي وأكاديمي. ولعل موقع (الوحدة الإسلامية) ، وأنا مؤسسه والمشرف عليه ، هو بعض ثمار هذه الخواطر.

1- في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم المعروف بحديث تأبير النخل ورد قوله: (أنتم أعلم بأمور دنياكم). ولا شك أن أكبر معضلة يواجهها الإنسان المسلم هي التفريق بين ما هو دين وما هو دنيا في حياته. وهذا الأمر ينطبق على المستوى الفردي والمستوى الجماعي :
- في العقائد والأفكار والتصورات
- في السلوكيات
- وفي المناهج

ففي العقائد مثلا ، لا يمكن لأحد أن يفصل بين معتقداته الدينية ومعتقداته الدنيوية (وأجزم أن ذلك لا يخرج عنه أي بشر سوى الرسل المسددين بالوحي الإلهي).

ألا ترى أن آفة المسلمين (وأخص منهم بالذكر العاملين للإسلام أفرادا وحركات) تكمن في الخلط بين معتقداتهم الدينية ومعتقداتهم الدنيوية (المكتسبة من تجاربهم الفردية والاجتماعية وخصائصهم النفسية والعقلية) ، وعدم قدرتهم على التمييز بين ما هو يقيني لا يقبل الاختلاف وما هو غير يقيني (ولا أقول ظني) يمكن الاختلاف فيه لاختلاف البشر الفطري (... ولذلك خلقهم) ؟ وأستحضر هنا حديث الفطرة (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة ، فأبواه ينصرانه أو يهودانه أو يمجّسانه).

ألا ترى أن تقسيم علوم الدين إلى (عقيدة) و (شريعة) ، شكل بداية الخطإ المنهجي الإسلامي في فهم الدين ؟ وأن الأولى هو تقسيم الدين إلى ما هو (يقيني) وما هو (غير يقيني) ، وأن ذلك أولى لتجسير الهوة وتقليص مواطن الخلاف والمساعدة على فهم أفضل للدين ؟

بعبارة أخرى ، ألات ترى أن (إعادة تصنيف العقائد الإسلامية) أصبح ضرورة لا مناص منها للتقريب بين المسلمين ؟

2- ألا ترى أن من الضروري توجيه عناية العلماء والمفكرين الإسلاميين إلى البحث في كيفية الفصل بين فهم عالِم الدين الذاتي (المبني على خصائصه النفسية والعقلية المكتسبة إما بالوراثة عن والديه ومشايخه و محيطه الأسري والاجتماعي، أو المكتسبة عن طريق البناء المعرفي التراكمي الذي يقوم به كل إنسان طيلة مسيرته في الحياة) وبين الحقيقة الموضوعية المعروضة في النصوص الشرعية ، كعامل أساسي من عوامل التقريب بين المسلمين ؟

3- في مناهج الحركات الإسلامية السنّية ، يوجد توجهان عامان يسودان منهج التقريب بين المختلفين : منهج الدعوة إلى التقريب بين السنة والشيعة ، ومنهج التقريب بين التيار الإسلامي والتيار القومي. فما هي ضوابط تقويم المنهجين لمعرفة أيها أولى ؟

منبع سؤالي هو أن التيار القومي (في عمومه) يعتبر الإسلام مجرد تراث عربي إنساني. بينما يعتبر التيار الإسلامي (والمسلمون عموما) شيعة وسنة أن الإسلام عقيدة ومنهج حياة. فلماذا يسعى بعض الإسلاميين إلى التقارب مع القوميين أكثر من الشيعة ، في حين أن الأولى هو توجيه العناية إلى التقريب بين المؤمنين بالإسلام كعقيدة ومنهج حياة ؟

3- مفهوم (الجماعة) في الإسلام شهد تطورات تاريخية عديدة ، منذ عهد الرساول صلى الله عليه وسلم ، حيث أخذ المفهوم صيغة واحدة هي (جماعة المسلمين) التي يخلع مفارقها ربقة الإسلام عن عنقه. وقد ارتبط هذا المفهوم بمفهوم البيعة الواحد والإمام الواحد. غير أن هذه المفاهيم تغيرت في ما بعد بظهور الخلاف بين المسلمين في مسائل الخلافة والإمامة ، إلى أن قبل المسلمون تعدد الإمارات الإسلامية وتعدد الأمراء باستمرار الدولة الأموية في الأندلس رغم قيام الدولة العباسية. واستمر التطور إلى أن أصبحت الدويلات الإسلامية أمرا واقعا.
وبظهور جمال الدين الأفغاني وفكرة الجامعة الإسلامية ، ثم من ورائه البنا والمودودي والندوي (وقبلهم محمد إلياس والكندهلوي في الهند) ، عاد مفهوم التنظيم الإسلامي إلى البروز ، وعادت معها إلى الظهور مفاهيم (جماعة المسلمين) و (الفرقة الناجية)، التي قد تخفت في بعض الأحيان ، لتظهر من جديد بأشكال جديدة ، مثل ظهور القطبيين و(الناجين من النار) في الستينات والسبعينات ، أو السلفية في السبعينات والثمانينات ، أو التيارات الجهادية أو التكفيرية حاليا...

ألا ترى أن مفهوم (الحركة الإسلامية) أو (الجماعة الإسلامية) أصبح تقليديا ، غير منسجم مع تطور الأنشطة الجماعية البشرية المعاصرة ؟ وأن الأولى أن يصبح العمل الإسلامي قائما على علوم الإدارة الحديثة القائمة على تجميع الإسلاميين على قاعدة التخصص، تنتفي معه مفاهيم (البيعة) و(الإمارة) التي تجعل من (الجماعة الإسلامية) جهازا ضخما يشبه (الدويلة داخل الدولة) ييسلم فيها القياد كله للأمير ومجلس الشوى ، لتحل محلها مفاهيم (القيادة) و (العمل التطوعي) و (التنظيم الإداري) التي لا تضفي أي قداسة باسم الدين على شكل الجماعة ، وإن كان منهجها ونشاطها يهدفان إلى إقامة الحياة الإسلامية ؟

بعبارة أخرى : هل تعتبر مفاهيم الإمامة والخلافة مفاهيم عقائدية أم أنها مفاهيم اجتماعية ؟

أكتفي بهذه التساؤلات مؤقتا ، راجيا أن تتوفر لي فرص أخرى للحديث أكثر عن هذه المواضيع وغيرها.

مع خالص التحية والشكر.

أبو أحمد.


الجواب :

شكر الله لكم أخي الكريم أبا أحمد الجهد الطيب في موقع الوحدة، وتقبل منكم حمل الهم والقلم لخدمة الأمة والملة.

1- إذا نظرنا إلى التصنيفات الاصطلاحية في سياق الامتداد الزمني، نجدها تبدأ أداة منهجية مفيدة، ثم تتحول عبئا فكريا وأخلاقيا بعد ذلك. وليس هذا الأمر خاصا بثنائي العقيدة والشريعة فقط، بل هو يشمل ثنائيات أخرى مثل السنة والشيعة، وغيرها. أنا لا أرى فائدة من استخدام مصطلح "العقيدة"، بل أرى أن مصطلح "الإيمان" أفضل وأولى. لأن مصطلح العقيدة تحول مفهوما نظريا فلسفيا، فأصبحت علامة حسن إسلام المرء مجرد "إعلان مبادئ" يدعي فيها التزامه بـ"عقيدة السلف" أو "عقيدة أهل السنة والجماعة"، حتى ولو كان أقل الناس التزاما بمقتضيات الدين.. بينما استخدام مصطلح الإيمان يرجعنا إلى المدلول العملي للإسلام، ويصبح التفاضل على أساس التقوى والالتزام والمجاهدة لخدمة الإسلام، ولأن الإيمان قول وعمل وهو يزيد وينقص، فإن استخدام مصطلح الإيمان يجعل المسلم أكثر تواضعا وأقل تبجحا مما هو الحال اليوم، حيث يسود الادعاء العريض باتباع "المنهج الصحيح" في الاعتقاد.

نقطة أخرى مهمة وهي أن الصحابة – كما روى عنهم ابن تيمية رحمه الله- كانوا يتعاذرون في الأمور النظرية أكثر من العملية، فالذي يخطئ –بحسن نية- حتى ولو في أمر من أمور العقيدة لا يعنفونه، لكن الذي يستهتر بالدين عمليا – وهو يعي ما يفعل- هو الذي يجد منهم التعنيف والمقاومة. وبعض الآراء التي صدرت عن بعض كبار الصحابة - مثل القرءات الشاذة- لو قال بها اليوم أحد المسلمين لحكم عليه الناس بالكفر، لكنك تعجب حينما لا تجد من الصحابة نكيرا على ذلك، وما ذلك إلا لأنهم غلبوا العمل على الجدل، وجعلوا الالتزام العملي معيارا التفاضل، لا الإعلانات النظرية.

2- الفصل بين "علم الدين الذاتي" وبين " الحقيقة الموضوعية المعروضة في النصوص الشرعية" ليس بالأمر السهل، لأن هذه الحقيقة الموضوعية لا تكشف ذاتها لنا دون وسائط، بل هي تأتينا في شكل شروح وحواش وتفسيرات من أهل العلم. ومع ذلك فإن هذا الفصل أمر لازم لكل تجديد. وقد دعا مالك بن نبي رحمه الله إلى "تجريد الآيات القرآنية من الغواشي الفقهية والفلسفية والتاريخية"، وهو قريب مما تكرمتم به.

إن الفكر الإسلامي في مسيس الحاجة إلى مراجعة آلياته، وعدم التسليم بالمسلمات دون فحص أو مراجعة. وأول طريق إلى هذه المراجعة هي الفصل بين الوحي والتاريخ، والتحرر من خطإ الخلط الضمني بينهما في المرجعية.

3- أعتقد أن مفهوم "الخلافة والإمامة" مفهوم سياسي، وليس مفهوما عقديا، لكن هذا لا يعني أنه ليس جزءا من الدين، بل هو جزء أصيل من تحقيق مصلحة الجماعة عبر الدين. والإسلام دين محوري يستقطب حياة الفرد والمجتمع كلها. ولا ينفي ذلك الحاجة الملحة للاغتراف من الفكر الإداري والسياسي المعاصر. فليس العيب في "البيعة" و"الإمارة"، فكلاهما مفهوم شرعي وعملي أصيل، بل فيما نضفيه أحيانا على هذه المفهومين وغيرهما من معان ودلالات لا تنسجم مع روح الشرع في العدل والحرية والديمقراطية.

فما نحتاجه اليوم هو التحرر من الوثنية السياسية السائدة في العالم الإسلام الآن، والانطلاق من أن الأمير أجير، وليس ربا معبودا، وأن الحركة وسيلة لا غاية، وأن البيعة التزام لا إلزام...الخ وقد أورد الحافظ الذهبي في كتابه "سير أعلام النبلاء" أن التابعي الزاهد أبا مسلم الخولاني دخل على معاوية بن أبي سفيان، أيام ملكه بالشام، فقام بين السماطين فقال: السلام عليك أيها الأجير، فقالوا :مهْ، فقال معاوية: دعوه فهو أعرف بما يقول، وعليك السلام يا أبا مسلم. ثم وعظه وحثه على العدل.

وذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" في ترجمة الشاعر المتنبي أن المتنبي مدح مرة أحد الملوك بأسلوبه المغالي، فقال:
يا من ألوذ به فيــما أؤمله ومن أعوذ به مما أحـــاذره
لا يجبر الناس عما أنت كاسره ولا يهيضـون عما أنت جابره
ثم عقب ابن كثير بأن ابن القيم أخبره أن شيخ الإسلام ابن تيمية كان يقرأ هذين البيتين في سجوده، ويقول: "لا يصلح هذا لغير الله"..
فالوثنية السياسية ضاربة بأطنابها في ثقافتنا، والأصنام البشرية حلت محل الأصنام الحجرية، ولا سبيل لنا سوى التقيد بوصية الشاعر محمد إقبال في نبذ منهج آرز، واتباع ملة إبراهيم عليه السلام وهو يحطم الأصنام:
نحت أصـنام آزر صنعة العاجز الذليلْ
والذي يطلب العلا حسبه صنعة الخليلْ

التأصيل الشرعي لجهاد حركة حماس

The following article supports hamas in its rejection of the peace process with israel. It proves (from the perspectives of muslim scholars) how the peace process negates many rules in islam which makes it unequivocally clear that such a process should not be accepted from an islamic point of view.
I found it important to forward this article to others because many muslims believe that by peace with israel we will regain palestine .....subhan allah....


I only extracted the second part of the article. For the full article (which i encourage you to read):http://www.alrewak.net/sub.asp?page1=v_Study&id=24

written by: muhammad ahmad al rashed
التأصيل الشرعي لجهاد حركة حماس

ما ما يشهد لموقف حماس الرافض للصلح من البراهين الشرعية والقانونية كذلك فهي أدلة كثيرة نسوق منها ما يلي:

أولاً: حتمية قتالنا للمعتدين اليهود، ونحن نؤمن بأن لنا يوم سننتصر فيه عليهم، بإذن الله تعالى، لما ورد في الحديث المشهور حتى يقول الحجر والشجر يا مسلم يا عبدالله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله.

ثانياً: إن الجهاد إنما شرع لإزالة الطواغيت من الأرض ونصر المستضعفين ولكي تكون السلطة الإسلامية هي الظاهرة، عندها المستضعفون في كل مكان يستطيعون أن يدخلوا في دين الله، نحن لا نجبر أحداً على اعتناق ديننا، لكن الجهاد فُرض لإزالة الذين يتعسفون ويحولون بين الجماهير والدعوة إلى الله.

ثالثاً: اليهود بدأوا العدوان ضد المسلمين، فأصبحت مجاهدتهم فرضاً، حتى في مذهب سفيان الثوري وغيره ممن يقول لا نقاتل إلا دفاعاً، وهذا أضعف مذاهب المسلمين. يقول الثوري القتال مع المشركين ليس بفرض الا أن تكون البداية منهم حين إذن يجب قتالهم دفعاً لظاهر قوله )فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ (، فمسألة الدفاع في حالة فلسطين واعتداء اليهود عليها حاصل، مما يوجب قتال المعتدي.

رابعاً: عدم تحقيق الصلح الذي يحاول البعض فرضه اليوم للمصلحة العامة، سبب آخر لرفض الصلح مع اليهود شرعاً. فإن الأمر مشروط بتحقق المصالح للمسلمين، هكذا قال الفقهاء فليس كل ما جاز شرعاً جاز فعله، بل لا بد من مراعاة ورؤية الأثر المصلحي إلى جانب الجواز الشرعي فإذا تخلف أحد الشرطين وجب الامتناع عن اجراء الصلح، خاصة وأن كل الشواهد والدراسات تشير إلى الأضرار لاقتصادية والنفسية والاجتماعية التي يسببها الصلح مع اليهود.

خامساً: المحاولات الجارية تؤسس لصلح دائم، والفقه يوجب التوقيت، مما يجعل من الصلح الحالي مرفوض شرعاً. فالفقهاء اشترطوا تحديد زمن للصلح مع العدو، بل منهم من قال لا يجوز الصلح لأكثر من عشر سنوات، لأن ما ورد في السيرة من هدنة الحديبية ما كانت إلا كذلك، وهذا الشرط لا يمكن أن يتحقق في حالة الصلح مع اليهود التي يجري التأسيس لها ومحاولات فرضها، لأن الصلح هنا دائم غير قابل للنقض، ويلزم أجيالاً عديدة من أجيال المسلمين المقبلة، وهنا مكمن الخطر، فهو تنازل واعتراف وتسويغ للباطل واضفاء صفة القانون الدولي عليه وليس هدنة كان الفقهاء يقصدونها حين يتحدثون عن الصلح، وحالة الصلح الدائم غير المحدد والتي أجازها فقهاء آخرون لم تكن تؤدي إلى مثل هذه النتيجة وإلى تطبيع وتعايش تترجح فيه مصالح العدو وانما كانت تعنى هدنة دائمة. فالهدنة شي والصلح الحالي شي آخر، ونقول مرة ثانية إن مكمن الخطر يكون في تسجيل معاهدات الصلح لدى الأمم المتحدة فتكون بذلك عقداً دائماً ملزماً للأجيال مهما تغيرت المصالح، وهذا لا يشبه ما تكلم عنه بعض الفقهاء من جواز الصلح.

سادساً: الصلح المقصود اليوم صلح مع غير ذي شوكة، فلا يجوز. قال الفقهاء إن الصلح يجوز إذا كان العدو ذو شوكة ويستأصل المسلمين، (عندها) لأمة الإسلام أو لذاك الإقليم الإسلامي أن تصالح بمعنى أن يسعى المسلمون إلى هدنة لأن المسلمين ما لهم طاقة بعدوهم ويخشون أن يستأصلهم. وفي حالة الصراع مع اليهود حول فلسطين فإن الأمر ليس كذلك، فاليهود ليسوا أهل شوكة ماحقة لا تستطيع الأمة أن تقف في وجوههم، بل يمكن بدون هذا الصلح أن نبقى، وتكون مناوشات وسجال بحيث قد لا نحارب الحرب الهجومية التي تدخلنا في مرحلة حسم ولكننا نستطيع الاحتفاظ بوضعنا هكذا إلى أن يأذن الله بتجمع المسلمين في جيش قوي. الشوكة التي يتحدث عنها الفقهاء غير قائمة اليوم فيما نعلم عن اليهود، وبذلك ينتقض السبب في ضرورة مصالحتهم، يقول السرخسي فإن كانوا عاجزين عن كسر شوكتهم كان عليهم أن يحفظوا قوة أنفسهم بالموادعة.

سابعاً: فقدان الحاكم المهادن اليوم لأهلية التصرف التي عناها الفقهاء، وقد أجاز الشرع الجهاد مع ولاة الجور من أجل أن لايتعطل الجهاد ولم يجوز الشرع قبول ما هو ضد ذلك منهم من ترك الجهاد والخنوع وتمكين العدو، فعلة الحكم الشرعي في هذه الحالة قد انتفت وصار العكس.

ثامناً: مناقضة الصلح الحالي لغاية عقود الذمة الإسلامية وهي صلح دائم يكون عندما يلقي قطر من أقطار الكفار السلاح ويرضى بدفع الجزية ويكون من أهل الذمة. أما الصلح الحالي فهو يقلب الأمور ويعكسها حيث يصير المسلمون في ذمة اليهود وتكون للعدو اليد العليا علينا وبذلك تفعل الظواهر الحضارية والحقائق النفسية الانسانية فعلها، مما أبان عنه علماء الاجتماع من ابن خلدون في مقدمته وحتى اليوم، عندما درسوا علاقة الغالب والمغلوب والظواهر الحياتية التي تتبعها، إن بروز هذه الحقيقة ورجحان تأثر أجيال المسلمين بالتربية اليهودية بعد حصول الاسترخاء الذي تولده الحالة السلمية وتعين عليه وسائل الاعلام المتطورة ودراساتهم المتقدمة في مجال علم النفس. بروز هذه الحقيقة يجعل الصلح مع العدو انتحاراً وهذا الدليل عندي هو أقوى الأدلة في الحكم على الصلح بالخطأ.

تاسعاً: حصول الضرر الاقتصادي لنا من خلال الصلح، وتلك حقيقة تعاكس التدليس الواعد بحالة اقتصادية مزدهرة للمسلمين بعد الصلح. إن رعاية المصالح الاقتصادية الإسلامية هي من تمام الإسلام واعتبارها والاستدلال بها من تمام النظر الفقهي العميق، وفي السوق الشرق أوسطية التي قررتها خطة التطبيع قابلية لأن تخدم يهود وتحول لهم الأموال وتمتص ثروات بقية البلاد العربية والخليجية بخاصة، بل وثروات العالم الاسلامي وثروات دول العالم الثالث أيضا..

عاشراً: الصلح الحالي نوع جديد من العقود لم يعرفه الشرع من قبل. يقول الزحيلي ذلك أن المالكية والشافعية، والحنابلة اتفقوا أن العدو إذا نقض الهدنة بقتال أو بمظاهرة عدو أو قتل مسلم أو أخذ مال انتقضت الهدنة، كما تنتقض بأشياء أخر مثل سب الله تعالى أو القرآن أو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل ما اختلف العلماء في أنه ينقض الذمة ينقض الهدنة جزماً لأن الهدنة ضعيفة غير متأكدة ببذل الجزية. مثل هذه التقديرات تدفعنا للقول أن الصلح الحالي عقد جديد ليس هو عقد الذمة الذي يكون فيه خضوع الكافر للسلطة الإسلامية وليس هو المهادنة لاستحالة قبول المجتمع الدولي الضامن للصلح بأن ننقضه لسبب من الأسباب التي ذكرها الفقهاء، فلو قتل العدو فلسطينياً واحد تنتقض الهدنة، ولكن في الوضع الحالي فإن قتل ألوف لن يمكننا من نقض الصلح، إذ أن تعقيد القانون الدولي المعاصر وهيمنة النظام العالمي الجديد تجعلان عقدنا مع اليهود من نوع لم يعرفه الفقهاء الأولون أبدا، وهو بحاجة إلى اجتهاد جديد تكون أطرافه ثلاثة مجاميع إذا أردنا الشهادة له بأنه مقبول شرعاً: الطرف الأول فقهاء كثيرون من أهل التقوى تترجح عند أكثريتهم صحة العقد، أما الطرف الثاني فهو حكام يحكمون بالإسلام، والطرف الثالث جمهور يرفل بالحرية يمكنه أن ينقض ويشارك بالرأي، هذه الاطراف الثلاثة في الاجتهاد الحالي غير متوفرة وبذلك لا يكون اجتهاداً اسلاميا بل محض فذلكة سياسية غير موفقة ولا مخلصة.
حادي عشر: أن الصلح الحالي ناقض لتراكم ايجابيات التطور الدعوي الاسلامي، بعد ما أينعت ثمار الصحوة الاسلامية العالمية. فالمحلل لتاريخ الدعوة الاسلامية الحديثة يرى نجاحها في ممارسة تطوير نفسها على مدى قرن كامل، حتى قاربت اليوم مرحلة التمكين بإذنه تعالى فقد بدأ فيها المعنى التنظيمي بعد تسيب ومنهجية التربية بعد ارتجال وشمول الاهتمام بعد اقتصار ثم انتقلت إلى مرحلة وضع هدف سياسي سعت إليه وقدمت حكماً إسلامياً متكاملاً، وطرقت أبواب الإعلام وحولت أعمالها إلى أعمال مؤسسة، وتوغلت في إرساء قواعد اقتصاد إسلامي واستعادت بعض المال ووضعته في الأيادي المتوضئة وبدأت تمارس الجهاد وجمعت الشتات عبر تنظيم عالمي ودخلت مرحلة التخصص، وأصبح واضحاً بحمد الله أن المستقبل لهذا الدين وأن الحسم قريب في بلاد كثيرة مما يؤهلها لمرحلة تعبوية شاملة تستفيد منها أرض فلسطين المقدسة. وما كان قصد الصلح هذا والاستعجال به إلا لاستباق الأحداث، وهو ما أقر به رابين حين رد على منتقدي سياسته بالصلح مع عرفات قائلاً نحن نفاوض عرفات مختارين قبل أن نجلس لنفاوض حماس مضطرين.

ثاني عشر: إقرار الصلح يعني وقوف العالم كله ضد حملة الجهاد المستقبلية من خلال نصوص صريحة في القانون الدولي. فالصلح المقترح صلح فيه اعتراف بالدولة اليهودية وتحديد لحدود وتسجل الاتفاقية ومخططاتها في سجلات الأمم المتحدة، وبذلك تكون إسرائيل في حماية كل دولة من أعضاء هيئة الأمم المتحدة وبموجب قانون الهيئة فإن أي دولة في العالم يسوغ لها قانوناً عند إقرار الصلح أن تتدخل لصالح اسرائيل اذا تعرضت لحرب وغزو. فإذا تم استكمال الصلح مع اليهود وأراد المسلمون أن يستعيدوا فلسطين فستقف مائة دولة في صف اليهود لأن ذلك يعتبر خرقاً لاتفاق مسجل في هيئة الامم وعدوان على دولة ذات حدود اعترف بها جيرانها، ولئن كان وقوف الغرب مع دولة اليهود في السابق من وراء ستار في صورة ارسال معونات مالية وسلاح فإنه في المستقبل سيكون وقوفاً مباشراً لأن ميثاق الامم المتحدة يخولها صراحة ارسال جيوش تحارب في صف اليهود.

ثالث عشر: الاعتراف باسرائيل يحول الثورة الفلسطينية إلى انطباق القانون الجنائي اليهودي عليها بدلاً من القانون الدولي وهذا مكمن خطر آخر. يقول الدكتور الزحيلي الحرب لا تكون إلا بين الدول أما النضال المسلح الذي قد يقع بين بعض الجماعات داخل دولة من الدول أو الذي تقوم به جماعة من الأفراد ضد دولة أجنبية فلا يعتبر حرباً، ولا شأن للقانون الدولي العام به، بل هو يخضع لأحكام القانون الجنائي للدولة التي تحدث فيها، كذلك لا يعتبر حرباً بالمعنى الدولي النضال المسلح الذي يقوم به إقليم ثائر في وجه حكومة الدولة التي يتبعها، مشيراً إلى أن الثورة كفاح داخلي بين السلطة الحاكمة والرعية تخضع بصفة مباشرة للقانون الداخلي للدولة وخاصة القانون الجنائي.

وهكذا يتضح خطر جديد كامن في خطة الصلح إذ أن القوات اليهودية ما زالت تعامل كقوات احتلال حتى اليوم في القانون الدولي وفقاً للقانون الدولي والاعتراف ينهي ذلك ويجعل الفلسطينيين مجرد رعايا في دولة اسرائيل تعاقبهم عند ثورتهم وفقا لقانونها الجنائي. أن اجتماع هذه الاسباب العديدة يشجعنا على أن نجزم بعدم جواز الصلح مع يهود شرعا لا اتفاق كامب ديفيد ولا اتفاق اريحا، ولا أي صلح عربي جماعي. هذا هو الحكم الصحيح إن شاء الله واذا اختلف دعاة الإسلام في هذا الأمر فالأحوط أن يكون رأي المجاهدين هو النافذ، ولهذا يقدم رأي رجال حركة حماس على الأقوال الأخرى، وتلك هي وصية الامام أحمد والإمام ابن المبارك لقوله تعالى )وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ( قال ابن تيمية فجعل لمن جاهد فيه هداية جميع سبله تعالى، ولهذا قال الإمامان عبدالله بن المبارك وأحمد ابن حنبل اذا اختلف الناس في شيء فانظروا ماذا عليه أهل الثغر فإن الحق معهم لأن الله يقول )وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (. فحماس بادرت ورابطت على الثغور فكان من حق رجالها أن يقوم رأيهم على آرائنا فإنهم مظنة الهداية والتوفيق بإذن الله تعالى.

وأخيراً نقدم التحية لحركة حماس وشهدائها رحمهم الله، وأبطالها نصرهم الله وأخذ بأيديهم ورفع شأنهم كما رفعوا رأسنا بين الأنام